فصل: حكم الاستهزاء بالله - تعالى - أو برسوله صلى الله عليه وسلم ، أو سنته صلى الله عليه وسلم؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


حكم طاعة الحاكم الذي لا يحكم بكتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم

‏(‏229‏)‏ سئل فضيلة الشيخ ‏:‏ عن حكم طاعة الحاكم الذي لا يحكم بكتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ الحاكم الذي لا يحكم بكتاب الله وسنة رسوله تجب طاعته في غير معصية الله ورسوله ، ولا تجب محاربته من أجل ذلك ، بل ولا تجوز إلا أن يصل إلى حد الكفر فحينئذ تجب منابذته ، وليس له طاعة على المسلمين‏.‏

والحكم بغير ما في كتاب الله وسنة رسوله يصل إلى الكفر بشرطين ‏:‏

الأول ‏:‏ أن يكون عالماً بحكم الله ورسوله ، فإن كان جاهلاً به لم يكفر بمخالفته‏.‏

الثاني ‏:‏ أن يكون الحامل له على الحكم بغير ما أنزل الله اعتقاد أنه حكم غير صالح للوقت وأن غيره أصلح منه ، وأنفع للعباد ، وبهذين الشرطين يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفراً مخرجاً عن الملة لقوله ـ تعالى-‏:‏ ‏{‏ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون‏}‏ ، وتبطل ولاية الحاكم ، ولا يكون له طاعة على الناس ، وتجب محاربته ، وإبعاده ، عن الحكم‏.‏

أما إذا كان يحكم بغير ما أنزل الله وهو يعتقد أن الحكم به أي بما أنزل الله هو الواجب ، وأنه أصلح للعباد ، لكن خالفه لهوى في نفسه أو إرادة ظلم المحكوم عليه ، فهذا ليس بكافر بل هو إما فاسق أو ظالم، وولايته باقية ، وطاعته ‏(‏في غير معصية الله ورسوله‏)‏ واجبة ، ولا تجوز محاربته أو إبعاده عن الحكم بالقوة ، والخروج عليه ، لأن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، نهى عن الخروج على الأئمة إلا أن نرى كفراً صريحاً عندنا فيه برهان من الله -تعالى-‏.‏

حكم الذبح لغير الله‏؟‏ وهل يجوز الأكل من تلك الذبيحة

‏(‏230‏)‏ وسئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن حكم الذبح لغير الله‏؟‏ وهل يجوز الأكل من تلك الذبيحة‏؟‏

فأجاب قائلاً ‏:‏ الذبح لغير الله شرك أكبر لأن الذبح عبادة كما أمر الله به في قوله ‏:‏ ‏{‏فصل لربك وانحر‏}‏ ‏.‏ وقوله سبحانه ‏:‏ ‏{‏قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين‏.‏ لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين‏}‏ فمن ذبح لغير الله فهو مشرك شركاً مخرجاً عن الملة - والعياذ بالله - سواء ذبح ذلك لملك من الملائكة ، أو لرسول من الرسل ، أو لنبي من الأنبياء، أو لخليفة من الخلفاء ، أو لولي من الأولياء ، أو لعالم من العلماء ، فكل ذلك شرك بالله -عز وجل - ومخرج عن الملة والواجب على المرء أن يتقي الله في نفسه ، وأن لا يوقع نفسه في ذلك الشرك الذي قال الله فيه‏:‏ ‏{‏إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار‏}

وأما الأكل من لحوم هذه الذبائح فإنه محرم لأنها أهل لغير الله بها وكل شيء أهل لغيرالله به أو ذبح على النصب فإنه محرم كما ذكر الله ذلك في سورة المائدة في قوله -تعالى-‏:‏ ‏{‏حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب‏}‏ فهذه الذبائح التي ذبحت لغير الله من قسم المحرمات لا يحل أكلها ‏.‏

حكم الذبح لغير الله

‏(‏231‏)‏ سئل فضيلة الشيخ ‏:‏ عن حكم الذبح لغير الله‏؟‏

فأجاب بقوله‏:‏تقدم لنا في غير هذا الموضع أن توحيد العبادة هو إفراد الله - سبحانه وتعالى - بالعبادة بأن لا يتعبد أحد لغير الله -تعالى -بشيء من أنواع العبادة ، ومن المعلوم أن الذبح قربة يتقرب بها الإنسان إلى ربه لأن الله -تعالى- أمر به في قوله‏:‏ ‏{‏فصل لربك وانحر‏}‏ وكل قربة فهي عبادة ، فإذا ذبح الإنسان شيئاً لغير الله تعظيماً له ، وتذللاً ، وتقرباً إليه كما يتقرب بذلك ويعظم ربه -عز وجل - كان مشركاً بالله-عز وجل- وإذا كان مشركاً فإن الله -تعالى قد بين أنه حرم على المشرك الجنة ومأواه النار ‏.‏

وبناء على ذلك نقول ‏:‏ إن ما يفعله بعض الناس من الذبح للقبور - قبور الذين يزعمون بأنهم أولياء - شرك مخرج عن الملة ، ونصيحتنا لهؤلاء أن يتوبوا إلى الله - عز وجل- مما صنعوا ، وإذا تابوا إلى الله وجعلوا الذبح لله وحده كما يجعلون الصلاة والصيام لله وحده ، فإنه يغفر لهم ما سبق كما قال الله -تعالى - ‏:‏ ‏{‏قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف‏}‏ بل إن الله تعالى - يعطيهم فوق ذلك فيبدل الله سيئاتهم حسنات كما قال الله -تعالى‏:‏ ‏{‏والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً ‏.‏ يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً ‏.‏ إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً‏}

فنصيحتي لهؤلاء الذي يتقربون إلى أصحاب القبور بالذبح لهم ‏:‏ أن يتوبوا إلى الله من ذلك ، وأن يرجعوا إليه ،وأن يخلصوا دينهم له سبحانه ،وليبشروا إذا تابوا بالتوبة من الكريم المنان ، فإن الله - سبحانه وتعالى- يفرح بتوبة التائبين وعودة المنيبين‏.‏

هل تقبل توبة من سب الله -عز وجل- أو سب الرسول ، صلى الله عليه وسلم‏؟‏

‏(‏232‏)‏ سئل فضيلة الشيخ ‏:‏ هل تقبل توبة من سب الله -عز وجل- أو سب الرسول ، صلى الله عليه وسلم‏؟‏

فأجاب حفظه الله بقوله ‏:‏ اختلف في ذلك على قولين ‏:‏

القول الأول بقوله‏:‏ أنها لا تقبل توبة من سب الله ، أو سب رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، وهو المشهور عند الحنابلة ، بل يقتل كافراً ، ولا يصلى عليه ، ولا يدعى له بالرحمة ، ويدفن في محل بعيد عن قبور المسلمين‏.‏

القول الثاني‏:‏ أنها تقبل توبة من سب الله أو سب رسوله، صلى الله عليه وسلم ، إذا علمنا صدق توبته إلى الله ، وأقر على نفسه بالخطأ ، ووصف الله -تعالى - بما يستحق من صفات التعظيم ، وذلك لعموم الأدلة الدالة على قبول التوبة كقوله - تعالى -‏:‏ ‏{‏قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً‏}‏ ومن الكفار من يسب الله ومع ذلك تقبل توبتهم ، وهذا هو الصحيح إلا أن ساب الرسول ، عليه الصلاة والسلام ، تقبل توبته ويجب قتله ، بخلاف من سب الله فإنها تقبل توبته ولا يقتل ؛ لأن الله أخبرنا بعفوه عن حقه إذا تاب العبد ، بأنه يغفر الذنوب جميعاً ‏.‏ أما ساب الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنه يتعلق به أمران ‏:‏

أحدهما ‏:‏ أمر شرعي لكونه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا يقبل إذا تاب‏.‏

الثاني ‏:‏ أمر شخصي ، وهذا لا تقبل التوبة فيه لكونه حق آدمي لم يعلم عفوه عنه ، وعلى هذا فيقتل ولكن إذا قتل ، غسلناه ، وكفناه ، وصلينا عليه، ودفناه مع المسلمين‏.‏

وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وقد ألف كتاباً في ذلك اسمه ‏"‏الصارم المسلول في تحتم قتل ساب الرسول‏"‏ وذلك لأنه استهان بحق الرسول ، صلى الله عليه وسلم، وكذا لو قذفه صلى الله عليه وسلم فإنه يقتل ولا يجلد‏.‏

فإن قيل ‏:‏ أليس قد ثبت أن من الناس من سب الرسول صلى الله عليه وسلم ، في حياته وقبل النبي ، صلى الله عليه وسلم ، توبته‏؟‏

أجيب‏:‏بأن هذا صحيح ، لكن هذا في حياته ، صلى الله عليه وسلم ، والحق الذي له قد أسقطه، وأما بعد موته فإنه لا يملك أحد إسقاط حقه،صلى الله عليه وسلم ، فيجب علينا تنفيذ ما يقتضيه سبه، صلى الله عليه وسلم ، من قتل سابه ، وقبول توبة الساب فيما بينه وبين الله تعالى ‏.‏

فإن قيل‏:‏إذا كان يحتمل أن يعفو عنه لو كان في حياته ، أفلا يوجب ذلك أن نتوقف في حكمه‏؟‏

أجيب ‏:‏ بأن ذلك لا يوجب التوقف لأن المفسدة حصلت بالسب ، وارتفاع أثر هذا السب غير معلوم والأصل بقاؤه‏.‏

فإن قيل ‏:‏ أليس الغالب أن الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، يعفو عمن سبه ‏؟‏

أجيب ‏:‏ بلى ، وربما كان العفو في حياة الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، متضمناً المصلحة وهي التأليف ، كما كان ، صلى الله عليه وسلم ، يعلم أعيان المنافقين ولم يقتلهم ‏(‏لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه‏)‏ لكن الآن لو علمنا أحداً بعينه من المنافقين لقتلناه ، قال ابن القيم رحمه الله‏:‏ ‏"‏ إن عدم قتل المنافق المعلوم إنما هو في حياة الرسول ، صلى الله عليه وسلم، فقط‏"‏ ‏.‏ أ هـ ‏.‏

حكم من سب الدين في حالة غضب هل عليه كفارة‏؟‏ وما شرط التوبة من هذا العمل‏؟‏ وهل ينفسخ نكاح زوجته‏؟‏

‏(‏233‏)‏ سئل فضيلة الشيخ - أعلى الله درجته في المهديين - عمن سب الدين في حالة غضب هل عليه كفارة‏؟‏ وما شرط التوبة من هذا العمل‏؟‏ وهل ينفسخ نكاح زوجته‏؟‏

فأجاب -حفظه الله -بقوله ‏:‏ الحكم فيمن سب الدين الإسلامي أنه يكفر فإن سب الدين والاستهزاء به ردة عن الإسلام وكفر بالله -عز وجل- وبدينه وقد حكى الله عن قوم استهزؤوا بدين الإسلام حكى الله عنهم أنهم كانوا يقولون ‏:‏ إنما كنا نخوض ونلعب فبين الله -عز وجل- أن خوضهم هذا ولعبهم استهزاء بالله وآياته ورسوله وأنهم كفروا به فقال-تعالى-‏:‏ ‏{‏ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون‏.‏ لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم‏}‏ فالاستهزاء بدين الله ، أو سب دين الله ، أو سب الله ورسوله ، أو الاستهزاء بهما كفر مخرج عن الملة‏.‏

ومع ذلك فإن هناك مجالاً للتوبة منه لقول الله-تعالى-‏:‏ ‏{‏قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم‏}‏ فإذا تاب الإنسان من أي ردة كانت ، توبة نصوحاً استوفت شروط التوبة الخمسة ، فإن الله يقبل توبته‏.‏ وشروط التوبة الخمسة هي‏:‏

الشرط الأول ‏:‏ الإخلاص لله بتوبته بأن لا يكون الحامل له على التوبة رياء أو سمعة ، أو خوفاً من مخلوق ، أو رجاء لأمر يناله من الدنيا فإذا أخلص توبته لله وصار الحامل له عليها تقوى الله - عز وجل - والخوف من عقابه ورجاء ثوابه فقد أخلص لله-تعالى- فيها‏.‏

الشرط الثاني‏:‏ أن يندم على ما فعل من الذنب بحيث يجد في نفسه حسرة وحزناً على ما مضى ، ويراه أمراً كبيراً يجب عليه أن يتخلص منه‏.‏

الشرط الثالث‏:‏ أن يقلع عن الذنب وعن الإصرار عليه؛ فإن كان ذنبه ترك واجب قام بفعله وتداركه إن أمكن ، وإن كان ذنبه بإتيان محرم أقلع عنه وابتعد عنه ومن ذلك إذا كان الذنب يتعلق بالمخلوقين ، فإنه يؤدي إليهم حقوقهم أو يستحلهم منها‏.‏

الشرط الرابع‏:‏ العزم على أن لا يعود في المستقبل بأن يكون في قلبه عزم مؤكد ألا يعود إلى هذه المعصية التي تاب منها‏.‏

الشرط الخامس أن تكون التوبة في وقت القبول فإن كانت بعد فوات وقت القبول لم تقبل، وفوات وقت القبول عام وخاص‏:‏

أما العام فإنه طلوع الشمس من مغربها فالتوبة بعد طلوع الشمس من مغربها لا تقبل لقول الله-تعالى-‏:‏ ‏{‏يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً‏}

وأما الخاص فهو حضور الأجل فإذا حضر الأجل فإن التوبة لا تنفع لقول الله - تعالى- ‏:‏

{‏وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار‏}

أقول ‏:‏ إن الإنسان إذا تاب من أي ذنب ولو كان ذلك سب الدين فإن توبته تقبل إذا استوفت الشروط التي ذكرناها ، ولكن ليعلم أن الكلمة قد تكون كفراً وردة ولكن المتكلم بها قد لا يكفر بها لوجود مانع يمنع من الحكم بكفره ، فهذا الرجل الذي ذكر عن نفسه أنه سب الدين في حال غضب ، نقول له ‏:‏ إن كان غضبك شديداً بحيث لا تدري ماذا تقول ولا تدري حينئذ أأنت في سماء أم في أرض وتكلمت بكلام لا تستحضره ولا تعرفه فإن هذا الكلام لا حكم له ولا يحكم عليك بالردة لأنه كلام حصل عن غير إرادة وقصد ، وكل كلام حصل عن غير إرادة وقصد فإن الله -سبحانه وتعالى -لا يؤاخذ به يقول ‏:‏ الله -تعالى - في الأيمان‏:‏ ‏{‏لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان‏}‏‏.‏ فإذا كان هذا المتكلم بكلمة الكفر في غضب شديد لا يدري ما يقول ‏:‏ ولا يعلم ماذا خرج منه فإنه لا حكم لكلامه، ولا يحكم بردته حينئذ ، وإذا لم يحكم بالردة فإن الزوجة لا ينفسخ نكاحها منه ، بل هي باقية في عصمته ، ولكن ينبغي للإنسان إذا أحس بالغضب أن يحرص على مداواة هذا الغضب بما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله رجل فقال له ‏:‏ يا رسول الله أوصني قال‏:‏ ‏(‏لا تغضب فردد مراراً قال ؛ لا تغضب‏)‏ فليحكم الضبط على نفسه وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم ، وإذا كان قائماً فليجلس ، وإذا كان جالساً فليضطجع ، وإذا اشتد به الغضب فليتوضأ، فإن هذه الأمور تذهب غضبه وما أكثر الذين ندموا ندماً عظيماً على تنفيذ ما اقتضاه غضبهم ولكن بعد فوات الأوان‏.‏

حكم الاستهزاء بالله - تعالى - أو برسوله صلى الله عليه وسلم ، أو سنته صلى الله عليه وسلم‏؟‏

‏(‏234‏)‏ وسئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن حكم الاستهزاء بالله - تعالى - أو برسوله ، صلى الله عليه وسلم ، أو سنته ، صلى الله عليه وسلم‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ الاستهزاء بالله-تعالى-أو برسوله ، صلى الله عليه وسلم أو بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كفر وردة يخرج به الإنسان من الإسلام لقول الله -تعالى-‏:‏ ‏{‏ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون ‏.‏ لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم‏}‏ فكل من استهزأ بالله أو برسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أو بدين رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، فإنه كافر مرتد يجب عليه أن يتوب إلى الله - تعالى-، وإذا تاب إلى الله فإن الله - تعالى - يقبل توبته لقوله -تعالى- في هؤلاء المستهزئين ‏:‏ ‏{‏لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين‏}‏ فبين الله -تعالى - أنه قد يعفو عن طائفة منهم ولا يكون ذلك إلا بالتوبة إلى الله - عز وجل- من كفرهم الذي كان باستهزائهم بالله وآياته ورسوله‏.‏

حكم من يمزح بكلام فيه استهزاء بالله أو الرسول صلى الله عليه وسلم، أو الدين‏؟‏

‏(‏235‏)‏ وسئل -حفظه الله -‏:‏ عن حكم من يمزح بكلام فيه استهزاء بالله أو الرسول ، صلى الله عليه وسلم، أو الدين‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ هذا العمل وهو الاستهزاء بالله أو رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، أو كتابه أو دينه ولو كان على سبيل المزح ، ولو كان على سبيل إضحاك القوم كفر ونفاق ، وهو نفس الذي وقع في عهد النبي ، صلى الله عليه وسلم ،في الذين قالوا ‏:‏ ‏"‏ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ،ولا أكذب ألسناً ، ولا أجبن عند اللقاء‏"‏‏.‏ يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه القراء فنزلت فيهم ‏:‏ ‏{‏ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب‏}‏ لأنهم جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقولون‏:‏ إنما كنا نتحدث حديث الركب نقطع به عناء الطريق ، فكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، يقول لهم ما أمره الله به‏:‏ ‏{‏أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون ‏.‏ لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم‏}‏‏.‏ فجانب الربوبية ، والرسالة ، والوحي ، والدين جانب محترم ، لا يجوز لأحد أن يعبث فيه لا باستهزاء بإضحاك ، ولا بسخرية فإن فعل فإنه كافر ؛ لأنه يدل على استهانته بالله - عز وجل - ورسله وكتبه وشرعه وعلى من فعل هذا أن يتوب إلى الله - عز وجل - مما صنع ، لأن هذا من النفاق فعليه أن يتوب إلى الله ويستغفر ، ويصلح عمله ، ويجعل في قلبه خشية الله - عز وجل - وتعظيمه وخوفه ومحبته‏.‏ والله ولي التوفيق ‏.‏

حكم الاستهزاء بالملتزمين بأوامر الله - تعالى - ورسوله صلى الله عليه وسلم

‏(‏236‏)‏ وسئل فضيلته ‏:‏ عن حكم الاستهزاء بالملتزمين بأوامر الله - تعالى - ورسوله صلى الله عليه وسلم ‏؟‏

فأجاب قائلا ‏:‏ الاستهزاء بالملتزمين بأوامر الله - تعالى- ورسوله ، صلى الله عليه وسلم، لكونهم التزموا بذلك محرم وخطير جداً على المرء، لأنه يخشى أن تكون كراهته لهم لكراهة ما هم عليه من الاستقامة على دين الله وحينئذ يكون استهزاؤه بهم استهزاء بطريقهم الذي هم عليه فيشبهون من قال الله عنهم ‏:‏ ‏{‏ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم‏}‏ فإنها نزلت في قوم من المنافقين قالوا ‏:‏ ‏"‏ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء - يعنون رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه -أرغب بطوناً ، ولا أكذب ألسناً ، ولا أجبن عند اللقاء‏"‏ ‏.‏ فأنزل الله فيهم هذه الآية ‏.‏

فليحذر الذين يسخرون من أهل الحق لكونهم من أهل الدين فإن الله- سبحانه وتعالى - يقول ‏:‏ ‏{‏إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون ‏.‏ وإذا مروا بهم يتغامزون ‏.‏ وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين ‏.‏ وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون ‏.‏ وما أرسلوا عليهم حافظين ‏.‏ فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون ‏.‏ على الأرائك ينظرون ‏.‏ هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون‏}‏ ‏.‏

حكم من يسخر بالملتزمين بدين الله ويستهزئ بهم

‏(‏237‏)‏ وسئل أيضاً ‏:‏ عن حكم من يسخر بالملتزمين بدين الله ويستهزئ بهم ‏؟‏

فأجاب بقوله‏:‏ هؤلاء الذين يسخرون بالملتزمين بدين الله المنفذين لأوامر الله فيهم نوع نفاق لأن الله قال عن المنافقين ‏:‏ ‏{‏الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم‏}‏ ‏.‏ ثم إن كانوا يستهزئون بهم من أجل ما هم عليه من الشرع فإن استهزاءهم بهم استهزاء بالشريعة ، والاستهزاء بالشريعة كفر ، أما إذا كانوا يستهزئون بهم يعنون أشخاصهم وزيهم بقطع النظر عما هم عليه من اتباع السنة فإنهم لا يكفرون بذلك ؛ لأن الإنسان قد يستهزئ بالشخص نفسه بقطع النظر عن عمله وفعله ، لكنهم على خطر عظيم ، والواجب تشجيع من التزم بشريعة الله ومعونته ، وتوجيهه إذا كان على نوع من الخطأ حتى يستقيم على الأمر المطلوب‏.‏

هل يجوز البقاء بين قوم يسبون الله- عز وجل

‏(‏238‏)‏ سئل فضيلة الشيخ - حفظه الله-‏:‏ هل يجوز البقاء بين قوم يسبون الله- عز وجل ‏؟‏

فأجاب - حفظه الله - بقوله ‏:‏ لا يجوز البقاء بين قوم يسبون الله - عز وجل - لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً‏}‏ والله الموفق‏.‏

حكم من سخر بصاحب اللحية ورافع ثوبه عن كعبيه

‏(‏239‏)‏ وسئل فضيلة الشيخ ‏:‏ عن حكم من سخر بصاحب اللحية ورافع ثوبه عن كعبيه‏؟‏

فأجاب قائلاً ‏:‏ من سخر بصاحب اللحية ورافع ثوبه عن كعبيه فإن قصد السخرية بعمله وهو يعلم أنه من شريعة الله- تعالى -، فقد سخر من شريعة الله - تعالى - ، وإن قصد السخرية بالشخص نفسه لدوافع شخصية فإنه لا يكفر بذلك‏.‏

حكم دعاء المخلوق

‏(‏240‏)‏ سئل فضيلة الشيخ ‏:‏ عن حكم دعاء المخلوق‏؟‏

فأجاب- رعاه الله - بقوله‏:‏ الدعاء ينقسم إلى ثلاثة أقسام ‏:‏

الأول‏:‏ جائز وهو أن تدعو مخلوقاً بأمر من الأمور التي يمكن أن يدركها بأشياء محسوسة معلومة ، قال ، صلى الله عليه وسلم ، في حقوق المسلم على أخيه ‏:‏ ‏(‏وإذا دعاك فأجبه‏)‏ ‏.‏ وقال ، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏وتعين الرجل في دابته‏)‏ ‏.‏ الحديث ‏.‏

الثاني ‏:‏ أن تدعو مخلوقاً مطلقاً -سواء كان حياً أو ميتاً - فيما لا يقدر عليه إلا الله فهذا شرك أكبر، لأن هذا من فعل الله لا يستطيعه البشر مثل ‏:‏ يا فلان اجعل ما في بطن امرأتي ذكراً ‏.‏

الثالث‏:‏ أن تدعو مخلوقاً لا يجيب بالوسائل الحسية المعلومة كدعاء الأموات فهذا شرك أكبر أيضاً ، لأن هذا لا يقدر عليه المدعو ولا بد أن يعتقد فيه الداعي شيئاً سرياً يدبر به الأمور‏.‏

حكم من ظاهر حاله الاستقامة ، إلا أن له حلقات يدعو فيها الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، وعبد القادر

‏(‏241‏)‏ سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن رجل محافظ على الصلاة والصيام وظاهر حاله الاستقامة ، إلا أن له حلقات يدعو فيها الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، وعبد القادر ، فما حكم عمله هذا‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ ما ذكره السائل يحزن القلب ، فإن هذا الرجل الذي وصفه بأنه يحافظ على الصلاة والصيام ، وأن ظاهر حاله الاستقامة قد لعب به الشيطان وجعله يخرج من الإسلام بالشرك وهو يعلم أو لا يعلم ، فدعاؤه غير الله - عز وجل - شرك أكبر مخرج عن الملة ، سواء دعا الرسول ، عليه الصلاة والسلام ، أو دعا غيره ، وغيره أقل منه شأناً وأقل منه وجاهة عند الله - عز وجل - فإذا كان دعاء رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، شركاً فدعاء غيره أقبح وأقبح من عبد القادر أو غير عبد القادر ، والرسول ، عليه الصلاة والسلام ، نفسه لا يملك لأحد نفعاً ولا ضراً قال الله - تعالى - آمراً له‏:‏ ‏{‏قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً‏}‏ وقال آمراً له ‏:‏ ‏{‏قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي‏}‏ وقال-تعالى-آمراً له ‏:‏ ‏{‏قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لا ستكثرت الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون‏}‏ ‏.‏ بل قال الله تعالى - آمراً له ‏:‏ ‏{‏قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحداً‏}‏ فإذا كان الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، نفسه لا يجيره أحد من الله فكيف بغيره ‏؟‏‏!‏ فدعاء غير الله شرك مخرج عن الملة ، والشرك لا يغفره الله - عز وجل - إلا بتوبة من العبد لقوله - تعالى-‏:‏ ‏{‏إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء‏}‏ وصاحبه في النار لقوله -تعالى-‏:‏ ‏{‏إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار‏}‏ ‏.‏

ونصيحتي لهذا الرجل أن يتوب إلى الله من هذا الأمر المحبط للعمل فإن الشرك يحبط العمل قال الله - تعالى - ‏:‏ ‏{‏ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين‏}‏‏.‏ فليتب إلى الله من هذا ،وليتعبد لله بما شرع من الأذكار والعبادات، ولا يتجاوز ذلك إلى هذه الأمور الشركية وليتفكر دائماً في قوله - تعالى-‏:‏ ‏{‏وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين‏}‏ ‏.‏

حكم دعاء أصحاب القبور

‏(‏242‏)‏ سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن حكم دعاء أصحاب القبور‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ الدعاء ينقسم إلى قسمين ‏:‏

القسم الأول ‏:‏ دعاء عبادة ، ومثاله الصلاة ، والصوم وغير ذلك من العبادات فإذا صلى الإنسان ، أو صام فقد دعا ربه بلسان الحال أن يغفر له ، وأن يجيره من عذابه ، وأن يعطيه من نواله ، ويدل لهذا قوله- تعالى-‏:‏ ‏{‏وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين‏}‏ فجعل الدعاء عبادة ، فمن صرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله فقد كفر كفراً مخرجاً عن الملة ، فلو ركع الإنسان أو سجد لشيء يعظمه كتعظيم الله في هذا الركوع أو السجود لكان مشركاً خارجاً عن الإسلام ، ولهذا منع النبي ، صلى الله عليه وسلم ، من الانحناء عند الملاقاة سداً لذريعة الشرك فسئل عن الرجل يلقى أخاه أينحني له‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏لا‏"‏ ‏.‏ وما يفعله بعض الجهال إذا سلم عليك انحنى لك خطأ ويجب عليك أن تبين له ذلك وتنهاه عنه‏.‏

القسم الثاني‏:‏ دعاء المسألة ، وهذا ليس كله شركاً بل فيه تفصيل‏:‏

أولاً ‏:‏إن كان المدعو حياً قادراً على ذلك فليس بشرك ، كقولك ‏:‏اسقني ماء لمن يستطيع ذلك، قال ، صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من دعاكم فأجيبوه‏)‏ ‏.‏ قال الله -تعالى-‏:‏ ‏{‏و إذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه‏}‏ فإن مد الفقير يده وقال ‏:‏ ارزقني أي ‏:‏ أعطني فهو جائز كما قال- تعالى - ‏:‏ ‏{‏فارزقوهم منه‏}‏ ‏.‏

ثانياً ‏:‏ إن كان المدعو ميتاً فإن دعاءه شرك مخرج عن الملة ‏.‏ ومع الأسف أن في بعض البلاد الإسلامية من يعتقد أن فلاناً المقبور الذي بقي جثة أو أكلته الأرض ينفع أو يضر ، أو يأتي بالنسل لمن لا يولد له ، وهذا والعياذ بالله شرك أكبر مخرج عن الملة ، وإقرارهذا أشد من إقرار شرب الخمر ، والزنى ، واللواط ؛ لأنه إقرار على كفر ، وليس إقراراً على فسوق فقط فنسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين ‏.‏

حكم قول بعض الناس عند الشدة ‏:‏ يا محمد أو ياعلي أو يا جيلاني

‏(‏243‏)‏ سئل فضيلة الشيخ ‏:‏ يقول ‏:‏ بعض الناس عند الشدة ‏:‏ ‏"‏يا محمد أو ياعلي ، أو يا جيلاني‏"‏ فما الحكم ‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ إذا كان يريد دعاء هؤلاء والاستغاثة بهم فهو مشرك شركاً أكبر مخرجاً عن الملة ، فعليه أن يتوب إلى الله - عز وجل- وأن يدعو الله وحده ، كما قال -تعالى- ‏:‏ ‏{‏أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله‏}‏ وهو مع كونه

مشركاً ، سفيه مضيع لنفسه ، قال الله - تعالى -‏:‏ ‏{‏ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه‏}‏ ‏.‏ وقال ‏:‏ ‏{‏ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون‏}

هل عبادة الإنسان لصفة من صفات الله يعد من الشرك وكذلك دعاؤها‏؟‏

‏(‏244‏)‏ سئل فضيلة الشيخ ‏:‏ هل عبادة الإنسان لصفة من صفات الله يعد من الشرك وكذلك دعاؤها‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ عبادة الإنسان لصفة من صفات الله ، أو دعاؤه لصفة من صفات الله من الشرك ، وقد ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله - لأن الصفة غير الموصوف بلا شك وإن كانت هي وصفه ، وقد تكون لازمة وغير لازمة ، لكن هي بلا شك غير الموصوف فقوة الإنسان غير الإنسان وعزة الإنسان غير الإنسان ، وكلام الإنسان غير الإنسان، كذلك قدرة الله - عز وجل- ليست هي الله بل هي صفة من صفاته فلو تعبد الإنسان لصفة من صفات الله لم يكن متعبداً لله؛ وإنما تعبد لهذه الصفة لا لله - عز وجل - والإنسان إنما يتعبد لله - عز وجل - ‏{‏قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين‏}‏‏.‏ والله عز وجل موصوف بجميع صفاته فإذا عبدت صفة من صفاته لم تكن عبدت الله عز وجل لأن الله موصوف بجميع الصفات ‏.‏ وكذلك دعاء الصفة من الشرك مثل أن تقول ‏:‏ يا مغفرة الله اغفري لي ياعزة الله أعزيني ونحو ذلك‏.‏

هل قول الإنسان ‏:‏ يا رحمة الله ، يدخل في دعاء الصفة الممنوع‏؟‏

245- وسئل أيضاً ‏:‏ هل قول الإنسان ‏:‏ يا رحمة الله ، يدخل في دعاء الصفة الممنوع‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ إذا كان مراد الداعي بقوله ‏:‏ ‏"‏يا رحمة الله‏"‏ الاستغاثة برحمة الله - تعالى - يعني أنه لا يدعو نفس الرحمة ولكنه يدعو الله - سبحانه وتعالى - أن يعمه برحمته كان هذا جائزاً ، وهذا هو الظاهر من مراده ، فلو سألت القائل هل أنت تريد أن تدعو الرحمة نفسها أو تريد أن تدعو الله - عز وجل - ليجلب لك الرحمة‏؟‏ لقال ‏:‏ هذا هو مرادي‏.‏

أما إن كان مراده دعاء الرحمة نفسها فقد سبق جوابه ضمن جواب السؤال السابق‏.‏

عبادة صفة من صفات الله أو دعائها

‏(‏246‏)‏سئل فضيلة الشيخ ‏:‏ قلتم في الفتوى رقم ‏"‏244‏"‏ ‏:‏ إن عبادة صفة من صفات الله أو دعاءها من الشرك ، وقد جاء في شرح العقيدة الطحاوية إذا قلت ‏:‏ ‏"‏أعوذ بعزة الله‏"‏ فقد عذت بصفة من صفات الله ، ولم تعذ بغير الله ‏.‏ ‏.‏ فعلم أن الذات لا يتصور انفصال الصفات عنها بوجه من الوجوه ‏.‏ ‏.‏ وقد قال ، صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏ أعوذ بعزة الله وقدرته ‏.‏ ‏.‏ ‏)‏ وقال‏:‏ ‏(‏أعوذ بكلمات الله التامات ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏)‏ ‏.‏ وقال ، صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ ‏)‏ وقال صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏ ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا‏)‏ ‏.‏ وقال ‏:‏ ‏(‏أعوذ بنور وجهك ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏)‏ ولا يعوذ ، صلى الله عليه وسلم ، بغير الله ‏.‏ فنأمل من فضيلتكم التكرم بالتوضيح‏؟‏ ‏.‏

فأجاب بقوله ‏:‏ ما نقله السائل من كلام شارح الطحاوية لا ينافي ما ذكرناه فإن من المعلوم أنه لا توجد ذات مجردة عن صفة أبداً ولو لم يكن فيها إلا صفة الوجود ، وكونه واجباً أو ممكناً وكونها على صفة معينة من صغر أو كبر أو نحو ذلك لكان كافياً في الدلالة على أنه لا يمكن وجود ذات بلا صفة ما ‏.‏ ولكن إذا عبد الإنسان صفة من صفات الله أو دعاها فإن هذا يشعر بكون الصفة بائنة عن الله - تعالى - مستقلة عنه وهذا هو وجه كونه شركاً ‏.‏

وأما ما جاء في الأحاديث التي ذكرها شارح الطحاوية مثل ‏:‏ ‏"‏أعوذ بعزتك‏"‏ ‏"‏أعوذ بعظمتك‏"‏ ، ‏"‏أعوذ برضاك‏"‏ ، ‏"‏أعوذ بكلمات الله التامة‏"‏ فحقيقته أنه استعاذة بالله متوسلاً إليه بهذه الصفات المقتضية للعياذ ،ولهذا قال شارح الطحاوية على ما نقله السائل ‏:‏ ولا يعوذ صلى الله عليه وسلم بغير الله ‏.‏ وإليك ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في أن دعاء صفة من صفات الله كفر قال في الصفحة الثمانين من تلخيص كتاب الاستغاثة ما نصه ‏:‏

‏"‏إن مسألة الله- تعالى - بأسمائه وصفاته وكلماته جائز مشروع كما جاءت به الأحاديث وأما دعاء صفاته وكلماته فكفر باتفاق المسلمين فهل يقول ‏:‏ مسلم ‏:‏ يا كلام الله اغفر لي وارحمني وأغثني أو أعني أو يا علم الله أو يا قوة الله أو يا عزة الله أو يا عظمة الله ونحو ذلك أو سمع من مسلم أو كافر أنه دعا ذلك من صفات الله وصفات غيره أو يطلب من الصفة جلب منفعة أو دفع مضرة أو إعانة أو نصر أو إغاثة أو غير ذلك‏"‏‏.‏ ا هـ ‏.‏

هذا والله أسأل أن يوفق الجميع لما فيه الخير لنا وللأمة‏.‏

علامات الولاية

‏(‏247‏)‏ سئل فضيلة الشيخ ‏:‏ عن رجل يستغيث بغير الله ويزعم أنه ولي الله فما علامات الولاية‏؟‏

فأجاب ‏:‏ علامات الولاية بينها الله - عز وجل- في قوله‏:‏ ‏{‏ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ‏.‏ الذين آمنوا وكانوا يتقون‏}‏ فهذه علامات الولاية ‏:‏ الإيمان بالله ، وتقوى الله - عز وجل - ‏(‏فمن كان مؤمناً تقياً ، كان لله ولياً‏)‏ ‏.‏ أما من أشرك به فليس بولي لله بل هو عدو لله كما قال - تعالى - ‏:‏ ‏{‏من كان عدوّا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين‏}‏ ‏.‏ فأي إنسان يدعو غير الله ، أو يستغيث بغير الله بما لا يقدر عليه إلا الله - عز وجل - فإنه مشرك كافر ، وليس بولي لله ولو ادعى ذلك ، بل دعواه أنه ولي مع عدم توحيده وإيمانه وتقواه دعوى كاذبة تنافي الولاية‏.‏

ونصيحتي لإخواني المسلمين في هذه الأمور أن لا يغتروا بهؤلاء ، وأن يكون مرجعهم في ذلك إلى كتاب الله ، وإلى ما صح من سنة النبي ، صلى الله عليه وسلم ،حتى يكون رجاؤهم، وتوكلهم ، واعتمادهم على الله وحده ، وحتى يؤمنوا بذلك لأنفسهم استقراراً وطمأنينة ، وحتى يحفظوا بذلك أموالهم أن يبتزها هؤلاء المخرفون ، كما أن في لزوم ما دل عليه الكتاب والسنة في مثل هذه الأمور في ذلك إبعاداً لهؤلاء عن الاغترار بأنفسهم ، هؤلاء الذين يدعون أنفسهم أحياناً أسياداً ، وأحياناً أولياء ، ولو فكرت أو تأملت ما هم عليه لوجدت فيهم بعداً عن الولاية والسيادة ، ولكنك تجد الولي حقيقة أبعد الناس أن يدعو لنفسه وأن يحيطها بهالة من التعظيم والتبجيل وما أشبه ذلك ، تجده مؤمناً ، تقياً ، خفياً لا يظهر نفسه ، ولا يحب الإشهار، ولا يحب أن يتجه الناس إليه ، أو أن يتعلقوا به خوفاً أو رجاء ‏.‏ فمجرد كون الإنسان يريد من الناس أن يعظموه ، ويحترموه ، ويبجلوه ، ويكون مرجعاً لهم ، ومتعلقاً لهم ، هذا في الحقيقة ينافي التقوى وينافي الولاية ، ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيمن طلب العلم ليماري به السفهاء ، أو يجاري به العلماء ، أو ليصرف وجوه الناس إليه فعليه كذا وكذا من الوعيد ، فالشاهد في قوله ‏:‏ ‏(‏أو ليصرف وجوه الناس إليه‏)‏ فهؤلاء الذين يدعون الولاية ويحاولون أن يصرفوا وجوه الناس إليهم هم أبعد الناس عن الولاية‏.‏

فنصيحتي لإخواني المسلمين أن لا يغتروا بهؤلاء وأمثالهم وأن يرجعوا إلى كتاب الله وسنة رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، وأن يعلقوا آمالهم ورجاءهم بالله وحده‏.‏

حكم من رأى المعروف منكراً والمنكر معروفاً

‏(‏248‏)‏سئل فضيلته ‏:‏ عن رأيه فيمن تغيرت لديهم المفاهيم وصار عندهم المعروف منكراً والمنكر معروفاً‏؟‏ ‏.‏

فأجاب - حفظه الله - بقوله ‏:‏ رأيي في هؤلاء الذين تغيرت عندهم المفاهيم حتى رأوا المعروف منكراً والمنكر معروفاً وصاروا لا ينكرون من المنكر شيئاً ولا يقرون من المعروف شيئاً ، رأيي أن هؤلاء انسلخوا من الدين - والعياذ بالله- وذلك لأن من جعل المعروف الذي ، من شريعة الله - عز وجل - منكراً فقد كفر بالشريعة ، وكذلك من جعل المنكر معروفاً فقد آمن بالطاغوت ، والإيمان لا يتم إلا بالكفر بالطاغوت والإيمان بالله ، فعلى هؤلاء أن يراجعوا أنفسهم ويفكروا في أمرهم ويعرفوا أصلهم ومنتهى أمرهم فإن أصلهم العدم ومنتهى أمرهم الفناء من الدنيا ، قال - تعالى - ‏:‏ ‏{‏هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً‏}‏ وقال- تعالى - ‏:‏ ‏{‏كل من عليها فان ‏.‏ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام‏}‏‏.‏ وقال تعالى - ‏:‏ ‏{‏كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة‏}‏ ‏.‏ عليهم أن يفكروا أدنى تفكير فإن لم يفد فعليهم أن يفكروا التفكير العميق في الأمر وهم يشاهدون الناس يذهبون ويجيئون ، هذا يولد وهذا يموت وهذا يمرض وهذا يصح ، وهذا يصاب بماله وهذا يصاب بأهله ، ويعلموا أنه لا بقاء لأحدٍ في هذه الدنيا فليرجعوا إلى الله - تعالى- وليعرفوا المعروف وينكروا المنكر ومن تاب تاب الله عليه‏.‏

السحر

حكم من يضرب نفسه بالحديد والسلاح ولا يتأثر ويزعم أنه من أولياء الله

‏(‏249‏)‏سئل فضيلة الشيخ ‏:‏ عن قوم يضربون أنفسهم بالحديد والسلاح ولا يتأثرون ويزعمون أنهم أولياء الله‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ كون هؤلاء يضربون أنفسهم بالحديد أو غير الحديد ولا يتأثرون بذلك فإن هذا لا يدل على صدقهم ، ولا على أنهم من أولياء الله ، ولا على أن هذا كرامة لهم ، وإنما هذا من أنواع السحر الذي يسحرون به أعين الناس ، والسحر يكون في مثل هذا وغيره ، فإن موسى عليه الصلاة والسلام لما ألقى سحرة فرعون حبالهم وعصيهم صارت من سحرهم يخيل إليه أنها تسعى، وأنها حيات وأفاعٍ كما قال الله - عز وجل - ‏:‏ ‏{‏سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءو بسحر عظيم‏}‏ فهذا الذي يفعلونه لا شك أنه نوع من أنواع السحر وأنه ليس بكرامة‏.‏

واعلم - رحمك الله - أن الكرامة لا تكون إلا لأولياء الله ، وأولياء الله هم الذين اتقوه واستقاموا على دينه وهم من وصفهم الله بقوله ‏:‏ ‏{‏ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون‏.‏ الذين ءامنوا وكانوا يتقون‏}‏ وليس كل من ادعى الولاية يكون ولياً ، وإلا لكان كل واحد يدعيها ، ولكن يوزن هذا المدعي للولاية بعمله ، إن كان عمله مبنياً على الإيمان والتقوى فإنه ولي ، لكن مجرد ادعائه أنه من أولياء الله ليس من تقوى الله - عز وجل - لأن الله - تعالى - يقول ‏:‏ ‏{‏فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى‏}‏ ‏.‏ فإذا ادعى أنه من أولياء الله فقد زكى نفسه، وحينئذ يكون واقعاً في معصية الله وفيما نهاه الله عنه وهذا ينافي التقوى ‏.‏ وعلى هذا فإن أولياء الله لا يزكون أنفسهم بمثل هذه الشهادة ، وإنما هم يؤمنون بالله ويتقونه ويقومون بطاعته على الوجه الأكمل ، ولا يقرون الناس ويخدعونهم بهذه الدعوى حتى يضلوهم عن سبيل الله‏.‏